في عصرنا الرقمي، أضحت الهواتف الذكية جزءًا من الحياة اليومية، ليس فقط للبالغين بل حتى للأطفال.
ومع ازدياد الاعتماد على الشاشات في الترفيه والتعليم، بات من الشائع أن نرى طفلًا لا يتجاوز عمره 3 سنوات يمسك الهاتف لساعات.
ورغم ما قد توفره هذه الأجهزة من منافع تعليمية، إلا أن الاستخدام المفرط لها يؤثر سلبًا على تطور الطفل العقلي، العاطفي، والسلوكي. لهذا السبب، تتساءل الكثير من الأمهات: كيف أُبعد طفلي عن الموبايل دون صراخ أو عقاب؟ وهل بالإمكان حقًا أن يحب الطفل أشياء أخرى أكثر من الهاتف؟
في هذا المقال سنستعرض معك حلولًا عملية، تدريجية وناجعة تساعدك في تخفيف اعتماد طفلك على الموبايل بطريقة ذكية ومشجعة.
أولًا: افهمي لماذا ينجذب الطفل إلى الهاتف
قبل اتخاذ أي خطوة، اسألي نفسك: ما الذي يجذب طفلي في الهاتف؟ هل هو الفيديوهات المتحركة؟ الألعاب السريعة؟ إحساس السيطرة؟ أم أنه هروب من الملل؟
معرفة السبب يسهل إيجاد البديل. على سبيل المثال:
• إذا كان يحب الألعاب السريعة → وفري له ألعاب ذكاء أو سباقات حقيقية.
• إذا كان يهرب من الوحدة → خصصي وقتًا إضافيًا للعب معه.
ثانيًا: لا تمنعي الهاتف فجأة!
المنع المفاجئ يُنتج غالبًا صدامًا حادًا. الأطفال، تمامًا كالكبار، يتمسكون بالأشياء التي يحبونها. لذلك، يُفضل اتباع سياسة "التقليل التدريجي" بدلًا من المنع القاطع.
ابدئي بتحديد وقت الشاشة (مثلًا: ساعة يوميًا بعد الانتهاء من الواجب)، وقلّليه تدريجيًا بواقع 10 دقائق كل يومين.
ثالثًا: كوني قدوة لطفلك
لا يمكن أن تطلبي من طفلك ترك الهاتف وأنتِ تمسكينه طوال اليوم. اجعلي لنفسك أوقاتًا خالية من الهاتف، وشاركيه أنشطة ممتعة. عندما يراك تستمتعين بالحياة دون شاشة، سيتعلم منك دون الحاجة لكثير من الكلام.
رابعًا: وفّري بدائل ممتعة ومحفّزة
السرّ في جعل الطفل ينسى الموبايل هو أن يجد ما هو أمتع منه! إليك مجموعة أنشطة بديلة تناسب أعمارًا مختلفة:
1. ألعاب الحركة
• سباقات الجري داخل البيت.
• القفز فوق الوسائد.
• اللعب بالكرة أو الدراجة.
2. الألعاب اليدوية والإبداعية
• التلوين بالرمل أو الماء.
• صناعة أشكال بالصلصال.
• عمل أشكال بالأوراق (أوريغامي).
3. القصص التفاعلية
• اختاري له قصصًا مصورة واقرئيها بصوت معبر.
• اطلبي منه أن يمثل معك القصة.
• اجعليه يرسم نهاية جديدة للقصة.
. التمثيل والمسرح
• ارتديا أزياء تنكرية ومثّلا مشهدًا من قصة.
• اصنعا مسرح عرائس من جوارب قديمة.
. المهام المنزلية الممتعة
• اجعلي من ترتيب الألعاب أو إعداد السلطات مهمة ممتعة.
• شاركيه في صنع بسكويت أو كيك بسيط.
خامسًا: خصصي "ركن الطفل" في البيت
صممي له مساحة خاصة فيها أدوات الرسم، الكتب المصورة، المكعبات، البازل، الألعاب التعليمية. احرصي على تغيير محتويات الركن أسبوعيًا ليشعر بالتجديد. وجود هذه الزاوية يُشجّعه على اللعب المستقل ويمنحه بديلًا عن الجلوس بالموبايل.
سابعًا: اثني على سلوكه عندما يبتعد عن الهاتف
عندما تلاحظين أن طفلك قضى وقتًا ممتعًا بعيدًا عن الشاشة، أثني عليه على الفور. قولي على سبيل المثال:
• "أنا فخورة بك لأنك بنيت هذا البرج الجميل!"
• "أعجبتني كيف رسمت هذه السمكة. رائع أنك لم تطلب الموبايل!"
هذا التعزيز الإيجابي يجعله يربط الابتعاد عن الهاتف بشعور النجاح والسعادة.
ثامنًا: اجعلي الموبايل تحت إشرافك
حتى عندما تسمحين باستخدام الهاتف، ضعيه في غرفة مشتركة، ولوقت محدد. راقبي المحتوى، ويفضل أن تختاري أنتِ التطبيقات أو الفيديوهات. يمكنك استخدام تطبيقات للمراقبة الأبوية مثل Google Family Link أو YouTube Kids.
تاسعًا: اجعلي الوقت معك أكثر متعة من الهاتف
• اخرجي معه للمشي أو زيارة الحديقة.
• شاركيه في الطبخ أو صنع أشياء يدوية.
• خططي ليوم عائلي دون شاشات.
الأطفال يتعلقون بما يربطهم بالعاطفة، فكلما شعر بأن الوقت معك مليء بالحب، قلّ احتياجه للهاتف.
عاشرًا: تقبّلي أن التغيير يحتاج وقتًا
توقعي أن يرفض الطفل في البداية، وقد يغضب أو يبكي. هذا طبيعي. المهم هو الاستمرار في تطبيق الروتين الجديد، والتدرج في تقليل وقت الهاتف. بعد عدة أيام من الصبر والابتكار، ستلاحظين فرقًا واضحًا في سلوكه.
صرف الطفل عن الموبايل لا يحتاج إلى صراخ أو منع قاطع، بل إلى حب، صبر، وتنويع في الأنشطة. كوني قريبة منه، وشاركيه اللعب والضحك، وامنحيه بدائل تفتح له أبواب الإبداع والحركة.
وفي النهاية، تذكري: الطفل لا يبحث عن شاشة، بل عن شعور... ابحثي معه عن الشعور الجميل في الواقع.